في هذا السياق سوف نتطرق إلى مراحل تطور فن العمارة الإسلامية في مصر، كمثال يمثل العمارة الإسلامية عبر العصور، ونبين خصائص كل عصر على حدة:
عصر الخلفاء الراشدين وما قبل العصر الطولوني:
عدا الزمن في هذه الحقبة على آثار مصر، فعبثت يد الدهر بالفسطاط - أولى مدن المسلمين بمصر - فتركتها أطلالا، كما حدث ذلك في مدينة العسكر التي أسسها العباسيون سنة (133هـ/750 م)، وقد امتدت إلى جامع عمرو بن العاص يد التغيير والتوسيع حتى فقد كل معالمه الأولى ولم يبقَ إلا المكان الذي أُنشيءَ عليه، غير أنه قد حدث به ظاهرتان معماريتان على جانب عظيم من الأهمية:
الأولى: هي الصوامع الأربع التي أمر معاوية رضي الله عنه - أول خلفاء بني أمية - واليه على مصر (مسلمة بن مخلد) بإنشائها بأركان الجامع سنة (53 هـ/672 - 673م) على نمط الأبراج التي كانت بأركان المعبد القديم بدمشق، وكانت هذه الصوامع - في الواقع - نواة للمآذن التي أُنشئت بمصر بعد ذلك، والتي نرى الكثير منها الآن وقد تطورت تصميماتها وتنوعت أشكالها.
والظاهرة الثانية: هي المحراب المجوف الذي أحدثه به قرة بن شريك - والى مصر من قِبَلِ الوليد بن عبد الملك - في سنة (93هـ/712م) مقتديا في ذلك بالمحراب المجوف الذي أحدثه عمر بن عبد العزيز بمسجد المدينة في سنة (88هـ/706 - 707م).
العصر الطولوني 254-292هـ/ 868-905م:
أسس أحمد بن طولون الدولة الطولونية بمصر سنة (254هـ/ 868م) بعد أن قضى زهرة شبابه في (سامراء) قريبا من موالد الفن العباسي، وقد أبقى لنا الزمن فيما أبقى من آثار هذه الدولة ذلك الجامع العظيم الذي يعتبر بفرط اتساعه وبساطة تخطيطه وروعة بنائه وجمال زخارفه، مفخرة ذلك العصر.
وهو وإن كان قد استمد عناصر زخارفه من زخارف سامراء، واقتبس منارته الأولى من منارة جامعها على ما يظن، إلا إنه قد أخذ عن جامع عمرو - الذي جُدِّدَ سنة (212 هجرية) - نظام وشكل الشبابيك المفتوحة بأعلى واجهاتها الأربع..
ولم يدم حكم هذه الدولة لمصر طويلا؛ إذ سرعان ما استردت الخلافة العباسية مصر في سنة (292 هـ/905م) وانتقمت من الأسرة الطولونية، وأزالت كل معالمها، فركدت في مصر حركة الفنون والعمارة، حتى أننا لم نجد لها نهضة حينما استقل بها الأخاشدة من سنة (324 إلى سنة 358 هـ/935-969م).
العصر الفاطمي 358-567 هـ/ 969-1171م:
في أواخر أيام الدولة الإخشيدية كان الفاطميون يرنون بأبصارهم نحو مصر، يريدون أن يجعلوا منها مقرا لخلافة قوية فتية، ويأملون أن يكون لهم فيها شأن غير شأن العباسيين، وأن يتاح لمصر على أيديهم عهد حافل جديد، فما وافت سنة (358هـ/969م) حتى جاء جوهر الصقلي، قائد المعز لدين الله الفاطمي، رابع الخلفاء الفاطميين، وتم على يديه غزو مصر، واختط مدينة القاهرة، وأسس بها أول جامع لهم، وهو الجامع الأزهر.
وقد اقترن هذا العصر بعدة ظواهر معمارية، منها: استخدام الحجر المنحوت لأول مرة في واجهات المساجد بدل الطوب، ثم تزيين هذه الواجهات بالزخارف المنوعة المحفورة في الحجر، بعد أن كنا نشاهدها في جامع عمرو وجامع ابن طولون بسيطة عارية من الزخارف، وكانت القباب في ذلك العصر صغيرة وبسيطة، سواء من الداخل أو الخارج، وظهر تضليعها من الخارج لأول مرة في قبة السيدة عاتكة المنشأة في أوائل القرن السادس الهجري وأوائل الثاني عشر الميلادي.
وابتدأت أركان القبة تتطور نحو المقرنصات المتعددة الحطات، فبدأت بحطة واحدة، كما في جامع الحاكم، ثم بحطتين كما في قبة الشيخ يونس وقبتي الجعفري وعاتكة وغيرها، إلا أن فخر العمارة الفاطمية كان في الزخارف التي تستهوي النفوس بجمالها، وتنتزع الإعجاب بها، وبلغت الكتابة الكوفية المزخرفة والزخارف الجصية شأوا بعيدا في جمال عناصرها، وبديع تنسيقها، واختلاف تصميماتها، وكانت تحتل الصدارة في المحاريب، وتحلي إطارات العقود والنوافذ.
ولم تكن الزخارف الجصية وحدها هي المجال الذي أظهر فيه الصانع المصرى عبقريته، بل كانت الزخارف المحفورة في الخشب آية من آيات الفن الفاطمي الرائعات، فالأبواب والمنابر والمحاريب المتنقلة، والروابط الخشبية بين العقود، وما فيها من دقة في الحفر وإبداع في الزخرف والكتابة، تدل على مبلغ ما وصلت إليه النجارة في عصر الفاطميين من عظمة وازدهار.
الدولة الأيوبية 567-648هـ/1171-1250م:
استولى الأيوبيون على مصر سنة (567هـ/1171م)، وأسسوا بها أسرة حاكمة، وكان عهدهم منذ اللحظة الأولى عهد حروب طاحنة مع الصليبيين، فوجهوا جُلَّ اهتمامهم - من أجل ذلك - إلى إقامة الأبنية الحربية، فبنوا القلعة وأكملوا أسوار القاهرة، وكان اشتغالهم بهذه الحروب سببا في ندرة الأبنية الدينية التي خَلَّفوها لنا، وكان من أهم أغراضهم القضاء على المذهب الشيعي - مذهب الفاطميين - فأنشأوا لهذا الغرض المدارس وخصصوها لتدريس المذاهب الأربعة، ولم يبقَ من هذه المدارس سوى بقايا المدرسة الكاملية المنشأة سنة (622هـ/1225م)، وكانت مؤلفة من إيوانين متقابلين، وبقايا المدرسة الصالحية التي أنشأها الصالح نجم الدين الأيوبي سنة (640هـ/1242م)، والتي كانت مخصصة لتعليم المذاهب الأربعة، إلا أنها لم تكن ذات التخطيط المتعامد، بل كانت في الواقع عبارة عن مدرستين يشتمل كل منهما على إيوانين متقابلين أيضا.
عصر الخلفاء الراشدين وما قبل العصر الطولوني:
عدا الزمن في هذه الحقبة على آثار مصر، فعبثت يد الدهر بالفسطاط - أولى مدن المسلمين بمصر - فتركتها أطلالا، كما حدث ذلك في مدينة العسكر التي أسسها العباسيون سنة (133هـ/750 م)، وقد امتدت إلى جامع عمرو بن العاص يد التغيير والتوسيع حتى فقد كل معالمه الأولى ولم يبقَ إلا المكان الذي أُنشيءَ عليه، غير أنه قد حدث به ظاهرتان معماريتان على جانب عظيم من الأهمية:
الأولى: هي الصوامع الأربع التي أمر معاوية رضي الله عنه - أول خلفاء بني أمية - واليه على مصر (مسلمة بن مخلد) بإنشائها بأركان الجامع سنة (53 هـ/672 - 673م) على نمط الأبراج التي كانت بأركان المعبد القديم بدمشق، وكانت هذه الصوامع - في الواقع - نواة للمآذن التي أُنشئت بمصر بعد ذلك، والتي نرى الكثير منها الآن وقد تطورت تصميماتها وتنوعت أشكالها.
والظاهرة الثانية: هي المحراب المجوف الذي أحدثه به قرة بن شريك - والى مصر من قِبَلِ الوليد بن عبد الملك - في سنة (93هـ/712م) مقتديا في ذلك بالمحراب المجوف الذي أحدثه عمر بن عبد العزيز بمسجد المدينة في سنة (88هـ/706 - 707م).
العصر الطولوني 254-292هـ/ 868-905م:
أسس أحمد بن طولون الدولة الطولونية بمصر سنة (254هـ/ 868م) بعد أن قضى زهرة شبابه في (سامراء) قريبا من موالد الفن العباسي، وقد أبقى لنا الزمن فيما أبقى من آثار هذه الدولة ذلك الجامع العظيم الذي يعتبر بفرط اتساعه وبساطة تخطيطه وروعة بنائه وجمال زخارفه، مفخرة ذلك العصر.
وهو وإن كان قد استمد عناصر زخارفه من زخارف سامراء، واقتبس منارته الأولى من منارة جامعها على ما يظن، إلا إنه قد أخذ عن جامع عمرو - الذي جُدِّدَ سنة (212 هجرية) - نظام وشكل الشبابيك المفتوحة بأعلى واجهاتها الأربع..
ولم يدم حكم هذه الدولة لمصر طويلا؛ إذ سرعان ما استردت الخلافة العباسية مصر في سنة (292 هـ/905م) وانتقمت من الأسرة الطولونية، وأزالت كل معالمها، فركدت في مصر حركة الفنون والعمارة، حتى أننا لم نجد لها نهضة حينما استقل بها الأخاشدة من سنة (324 إلى سنة 358 هـ/935-969م).
العصر الفاطمي 358-567 هـ/ 969-1171م:
في أواخر أيام الدولة الإخشيدية كان الفاطميون يرنون بأبصارهم نحو مصر، يريدون أن يجعلوا منها مقرا لخلافة قوية فتية، ويأملون أن يكون لهم فيها شأن غير شأن العباسيين، وأن يتاح لمصر على أيديهم عهد حافل جديد، فما وافت سنة (358هـ/969م) حتى جاء جوهر الصقلي، قائد المعز لدين الله الفاطمي، رابع الخلفاء الفاطميين، وتم على يديه غزو مصر، واختط مدينة القاهرة، وأسس بها أول جامع لهم، وهو الجامع الأزهر.
وقد اقترن هذا العصر بعدة ظواهر معمارية، منها: استخدام الحجر المنحوت لأول مرة في واجهات المساجد بدل الطوب، ثم تزيين هذه الواجهات بالزخارف المنوعة المحفورة في الحجر، بعد أن كنا نشاهدها في جامع عمرو وجامع ابن طولون بسيطة عارية من الزخارف، وكانت القباب في ذلك العصر صغيرة وبسيطة، سواء من الداخل أو الخارج، وظهر تضليعها من الخارج لأول مرة في قبة السيدة عاتكة المنشأة في أوائل القرن السادس الهجري وأوائل الثاني عشر الميلادي.
وابتدأت أركان القبة تتطور نحو المقرنصات المتعددة الحطات، فبدأت بحطة واحدة، كما في جامع الحاكم، ثم بحطتين كما في قبة الشيخ يونس وقبتي الجعفري وعاتكة وغيرها، إلا أن فخر العمارة الفاطمية كان في الزخارف التي تستهوي النفوس بجمالها، وتنتزع الإعجاب بها، وبلغت الكتابة الكوفية المزخرفة والزخارف الجصية شأوا بعيدا في جمال عناصرها، وبديع تنسيقها، واختلاف تصميماتها، وكانت تحتل الصدارة في المحاريب، وتحلي إطارات العقود والنوافذ.
ولم تكن الزخارف الجصية وحدها هي المجال الذي أظهر فيه الصانع المصرى عبقريته، بل كانت الزخارف المحفورة في الخشب آية من آيات الفن الفاطمي الرائعات، فالأبواب والمنابر والمحاريب المتنقلة، والروابط الخشبية بين العقود، وما فيها من دقة في الحفر وإبداع في الزخرف والكتابة، تدل على مبلغ ما وصلت إليه النجارة في عصر الفاطميين من عظمة وازدهار.
الدولة الأيوبية 567-648هـ/1171-1250م:
استولى الأيوبيون على مصر سنة (567هـ/1171م)، وأسسوا بها أسرة حاكمة، وكان عهدهم منذ اللحظة الأولى عهد حروب طاحنة مع الصليبيين، فوجهوا جُلَّ اهتمامهم - من أجل ذلك - إلى إقامة الأبنية الحربية، فبنوا القلعة وأكملوا أسوار القاهرة، وكان اشتغالهم بهذه الحروب سببا في ندرة الأبنية الدينية التي خَلَّفوها لنا، وكان من أهم أغراضهم القضاء على المذهب الشيعي - مذهب الفاطميين - فأنشأوا لهذا الغرض المدارس وخصصوها لتدريس المذاهب الأربعة، ولم يبقَ من هذه المدارس سوى بقايا المدرسة الكاملية المنشأة سنة (622هـ/1225م)، وكانت مؤلفة من إيوانين متقابلين، وبقايا المدرسة الصالحية التي أنشأها الصالح نجم الدين الأيوبي سنة (640هـ/1242م)، والتي كانت مخصصة لتعليم المذاهب الأربعة، إلا أنها لم تكن ذات التخطيط المتعامد، بل كانت في الواقع عبارة عن مدرستين يشتمل كل منهما على إيوانين متقابلين أيضا.